بين يدي العلاج
المعالجة النفسية في الإسلام
Psychotherapy in Islam
عند العلاج بأي فرع من الأفرع الطبية لابد ان ننظر للإنسان ككل وليس كأجزاء منفصلة فالجسد حي ذا كيان بالروح والروح والنفس يعطيان البنيان اروع البيان ، فإذا ما اختل واحد من المكونات اثر في الباقي ، وعليه لابد من فهم الطبيعة النفسية عند وقوع البلاء وكيفية التعامل معها للوصول إلي أفضل النتائج . (أحمد حلمي2011)
أدب الإسلام وسبقه في العلاج النفسي
لقد سبق المسلمون العالم في تقدير الحالة النفسية وأثرها على سلامة الفرد والمجتمع لذا نرى حكمتهم فى التعامل مع مختلف الازمات النفسية بأسلوب راقى وفعال ، ليس هذا فحسب بل استخدموا هذا الأسلوب النفسي في معالجة بعض المتغيرات المرضية كما نرى في الحديث الآتى :
ففي الوابل الصيب لابن القيم عن الهيثم بن حنش قال : كنا عند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله ، فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك ، فذكر محمداً صلي الله عليه وسلم فكأنما نشط من عقال .
وعن مجاهد رحمه الله قال : خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال اذكر أحب الناس إليك فقال محمد صلي الله عليه وسلم ، فذهب خدره . ويمكن ذكر أى شخص يكون محبوباً منك وليس ذكره قاصراً علي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
المنهج الإسلامي في مواجهة التطور النفسي للمصاب بدنياً
عند حدوث الإصابة تكون هناك ردود فعل نفسية وحركية وسلوكية من المريض تتنوع في مراحل بداية من حدوث الإصابة وانتهاءً بالشفاء ، وقد ربط الإسلام بمنهج واضح وبين مختلف مراحل مواجهة ردود الفعل النفسية للفرد المصاب بتوجيهات وتعليمات لها بالغ الاثر في منع تردي الإصابة على الجانب النفسي وما يلحقه من الجانب البدنى ، ونوضح هذه المراحل كما يلى :
مراحل الإصابة النفسية :
· عدم الإعتراف بالإصابة .
· الغضب والسخط .
· الإحباط والحزن .
· التقبل النفسى للإصابة .
· التفكير في المستقبل .
عدم الإعتراف بالإصابة :
في بداية الإصابة لا يعترف المريض بمستوي العجز الناتج من الإصابة ويرفض تصور ذلك بشدة ، وربما يرجع ذلك لتهوين مَن حوله من أمر الإصابة وربما صاحب ذلك حالة نفسية من جزع أو صدمة عصبية .
السلوك الإسلامي : عدم الإعتراف بالإصابة : ويقابلها الصبر عليها وعدم الجزع أمتثالاً لقوله تعالى : } الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ 156 أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ 157{البقرة [ 1240 ] حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن ثابت قال سمعت أنس رضى الله تعالى عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال إنما الصبر عند الصدمة الأولى ، ويساعد ذلك في تلافي حدوث الصدمة العصبية ومتلازماتها من خلال الحفاظ علي الضبط الإنفعالي للمصاب .
الغضب والسخط :
يتوقف مقدار الغضب المصاحب للحالة علي مدي الحرمان والخسارة الناتجه عنها ويزيد ذلك مع زيادة الفترة الزمنية وزيادة النفقات المالية خصوصاً إذا كان الشخص غير متيسر الحال ، ويبدو ذلك جلياً في تعبيراته وأقواله بخصوص حالة الإصابة ويمكن تسميتها على العموم بالـ ( المصيبة ) .
الموقف الإسلامي : [ 5765 ] حدثني يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر هو بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب ، يوضح الحديث الشريف السابق مدي الإهتمام بعدم الغضب كوسيلة علاجية للعديد من أمراض المجتمع السلوكية والنفسية والبدنية ، ولذلك نجد أن الفرد المسلم يتدرب بصورة مستمرة علي عدم الغضب إلا فيما يتعلق بالله ، ولا أن يتخذ قرارا أثناء غضبه ففي سنن بن ماجة باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان .
2316- حدّثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالُوا: حدّثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ يَقْضِيَ الْقَاضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)).
قَالَ هِشَامٌ، فِي حَدِيثِهِ: لاَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.
الإحباط والحزن :
بعد مرور موجة الغضب يهدأ المصاب ويعى حالته جيداً ويبدأ في مرحلة الحزن والإحباط حيث يبدأ في الإنعزال ، وفقد الرغبة في العديد من الأشياء مثل التحدث ، الطعام ، الشراب ، مع ارتسام ملامح الحزن والأسي على اساريره .
الموقف الإسلامي : [ 2573 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته
[ 2572 ] حدثني أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني مالك بن أنس ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه حتى الشوكة يشاكها
التقبل النفسى للإصابة :
ثم لا تلبث تلك الأزمة أن تنفرج بعد فترة تتوقف على متغيرات عدة ويبدأ في مرحلة التقبل لحالته والتسليم لوضعه فيكون أكثر اجتماعية مع الناس وحرصاً على تتبع الأخبار سواء عن حالة عمله أو من حوله .
التفكير في المستقبل :
ويلى تلك الفترة حالة من القلق تتعلق بمدى نجاح العلاج ، والرغبة في سرعة الشفاء للعودة إلى مجال العمل مرة أخرى ، وبخاصة إذا كان المريض متعسر الحال .
الإجراءات النفسية مع المصاب بدنياً :
تبدأ المساعدة النفسية مع المريض فور وقوع الإصابة وتستمر على شتي مراحلها حتى بعد الشفاء .
المساندة الإجتماعية :
لابد أن يشعر المصاب بالدعم والمساندة ممن حوله خصوصاً المقربين منه والذين يمثلون قيماً عليا لديه ، كالمدير في العمل والزملاء ، رجال الدين ، هذا فضلاً عن الأهل والأصدقاء .
المساندة المالية :
يمثل الدعم المادى من قِبل المجتمع المحيط والعمل عاملاً مهماً في رفع الكفاءة النفسية للمصاب وارتفاع معنوياته خصوصاً إذا كان هذا الدعم منحة لا تُرد وليس على سبيل القرض ( من المجتمع الأسرى والمحيط ) ، واستمرار الدعم من العمل باستمرار الراتب والحوافز .
تحديد الأهداف :
ولا ينبغى الضغط على المريض بأى صورة لتحقيق شئ لا يستطيع آداءه حتى لا تحدث حالة إحباط للمريض .
التفكير الإيجابي :
انظر المقام الثالث من مقامات المصائب .
توجيه الإسلام في المساندة الإجتماعية والمادية
يأتى دور المنهج التربوى في الإسلام في صورة واضحة تمنع خطوات حدوث الإصابة النفسية بصورة جزئية إن لم تكن كلية والناس بين هذه الدرجات متفاوتون تبعاً لفهمهم هذا المنهج التربوى ، فنرى أن الإسلام أعد منهج تأهيل نفسي لتقبل مختلف أنواع الصدمات والحوادث بصورة تمنع ترديها ، وفى حالة وقوع البلاء لا محالة جعل للفرد مخرجاً بما ينتظره من الجزاء جراء صبره إذا صبر ، ثم عمد إلى المجتمع وتداعيه حول المصاب حال مرضه وجعل ذلك من الطاعات وأجل القربات إلى رب الأرض والسماوات وذلك متمثلا في بعض الأوامر النبوية ففي صحيح مسلم :
[ 2569 ] حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي .
ـ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم " فُكُّوا الْعَانِيَ ـ يَعْنِي الأَسِيرَ ـ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ " .
كذلك حض الإسلام علي مشاركة المصاب ومواساته بالمال حتي زوال الأزمة بقولة صلي الله عليه وسلم " "" "" اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه اتاهم ما يشغلهم "" .
الإصابة النفسية والصبر
فإذا نظرنا إلى أول خطوات الإصابة النفسية نجد أن الإسلام عالج ذلك من خلال أسلوب حكيم يتميز ببعد نفسي وبعد آخر في العلوم الحديثه نسمية بالتدريب العقلى يعمل على الحد من آثارها حيث حض المريض على الصبر وعدم الجزع وجعل له الأجر الكبير حيث يقول عز وجل } إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ { ولقد جعل الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فلا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له .
وعمد إلي الفرد بتوجيهه عند حلول المصيبة بالإسترجاع وفي ذلك دلالة عقلية تنزع اتجاه الفكر بعيداً عن المصاب النازل بالفرد وتذكرة بوعد الصابرين فتهون لديه المصيبة ولا يتمادي به الأمر في هوة الإصابة النفسية ، فمفهوم المسلم للمصائب يختلف عن غيره ، حيث يري المسلم أن المصائب أحد العلامات الدالة علي محبة الله ففي الحديث " إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع " ( ح ص ، أحمد : كتاب باقي مسند الأنصار ، حديث محمود بن لبيد ، ( 22517 ) { ص الجامع 1706 } ، كما يؤمن بأن الأبتلاء يكون علي قدر الإيمان فعن مصعب بن سعد عن ابيه قال : قلت يارسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " ( ح ص الترمزي : كتاب الزهد باب ما جاء في الصبر علي البلاء ، حديث رقم 2322 .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خير عيش أدركناه بالصبر وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : أنه ضياء وقال : من يتصبر يصبره الله ، وفي الحديث الصحيح : عجبا لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
وقال صلي الله عليه وسلم للمرأة السوداء التي كانت تصرع فسألته : أن يدعو لها : إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت : إني أتكشف فادع الله : أن لا أتكشف فدعا لها .
وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر وأمر بالصبر عند المصيبة وأخبر : أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى .
وأمر المصاب بأنفع الأمور له وهو الصبر والاحتساب فإن ذلك يخفف مصيبته ويوفر أجره والجزع والتسخط والتشكى يزيد في المصيبة ويذهب الأجر ، وأخبر صلي الله عليه وسلم أن الصبر خير كله فقال : ما أعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع : من الصبر .
ومن خلال هذا الزرع النفسي المستمر لقيم الصبر والوعد بالصبر عليه نجد ارتفاع معدل التحمل لمختلف الصدمات لدي الفرد
وما صبرك إلا بالله
إن الإنسان يراقب ثلاثة أمور بصورة فطرية سواء كانت المراقبة طبيعية أو مكتسبة وعلي مدار هذه الأشياء تتحدد السلوكيات والأتجاهات النفسية للفرد ، فنجد أن الإنسان يراقب الله أو يراقب الناس أو يراقب النفس والشيطان بمتابعتهما ، ففي الأول بمراقبته لله يري كل خير ومصيبة خيراً وعطاء فيصبر ويكون الصبر له جميل ، وفي الثانية بمراقبة الناس يكون الحزن والهم فيكون الجزع ويُنفي عنه الصبر الجميل ، وفي الثالثة بمراقبة النفس والشيطان يكون الضيق المُعبرُ عنه بحالة الغضب والمتصرفةِ بصورة القهر فإما قهراً للغير بالبطش تنفيساً عن الغضب ، أو قهراً للنفس لعدم القدرة . قال تعالي : } وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ { ( 127 النحل ) .
الأنسان + مراقبة الله = الصبر الجميل
الإنسان + مراقبة الناس = الحزن والجزع
الإنسان + متابعة النفس والشيطان = الغضب
فأفعال الإنسان تصدر بناء علي ما يعتمد علية وما يكلُ نفسة إلية ، فيكتسب بذلك قدراً من السلوك المناسب لقدر ومكانة المُعتمد ، ومما لا يخفي علي أحد أن الشيطان يجري من ابن أدم مجري الدم في العروق وله بذلك صورة فاعلة في تصرفات الإنسان الذي يكلُ نفسه إلي شيطانة وفي هذه الحالة تحدث مجموعة العمليات النفسية التي مفادها الغضب ولذلك نجد علاجا ناجعا سنه رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم حين رأي الغضب لدي أحد الصحابة رضوان الله عليهم وذلك ما ورد في ( سنن الترمزي ) في باب ما يَقُولُ عندَ الغَضَبِ
3516- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أَخْبَرَنَا قبيصةُ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَن عبدِ الملكِ بنُ عُميرٍ عنْ عبدِ الرَّحمنِ بن أبي ليلى عَن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ :
- "استَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ الْنَّبيِّ صلي الله عليه وسلم حتَّى عُرِفَ الغضبُ في وجهِ أحدهِمَا فَقَالَ الْنَّبيُّ صلي الله عليه وسلم إنِّي لأعلمُ كلمةً لو قَالَها لَذَهَبَ غضبُهُ أعوذُ باللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ".
كذلك في قوله صلي الله عليه وسلم في علاج الغضب ( التاريخ الكبير ) [ 33 ] عطية بن عروة السعدي من سعد بن بكر له صحبة قال إبراهيم بن موسى نا إبراهيم بن خالد مؤذن صنعاء قال ثنا أبو وائل القاص سمع عروة بن محمد بن عطية قال حدثني أبي عن جدي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال الغضب من الشيطان والشيطان خلق من نار وتطفي النار بالماء .
ونري في هذ الأحاديث الشريفة حكمة جليلة بعلاج المسبب المرضي بعد استنفاد كافة السبل لمنعة وقائياً بإزالة سببه ، في حين أن من يتصبر لله يصبره الله ؛ فما الصبر إلا بالله ، ويكون تحمله بانتظار موعود الله بالجزاء للصابرين ، فمثلاً حين تكون علي عجلة من أمرك في عمل ويصبرك صاحب العمل بوعد بزيادة العطاء فإنك لا محالة تصبر ولا تُظهر إمتعاض انتظاراً لهذا الجزاء ، فكيف بك والواعد هو رب العالمين .
فإن راقبت الله فلك وعده } إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ { (10 الزمر ) وإن راقبت الشيطان فلك وعدة } الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ ( 268 البقرة )
مقامات المصائب
تختلف ردود أفعال الناس تجاه المصائب وتصرفهم نحوها حيث يذكر العلماء أن للإنسان عند المصيبة أربعة مقامات :
المقام الأول : الصبر ـ وهو واجب .
المقام الثاني : الرضا ـ وهو سنة على القول الراجح ؛ والفرق بينه ، والصبر، أن الصابر يتجرع مرارة الصبر، ويشق عليه ما وقع ؛ ولكنه يحبس نفسه عن السخط ؛ وأما الراضي : فإن المصيبة باردة على قلبه لم يتجرع مرارة الصبر عليه ؛ فهو أكمل حالاً من الصابر.
المقام الثالث: الشكر: بأن يشكر الله على المصيبة.
فإن قيل: كيف يشكره على المصيبة ؟
فالجواب: أن ذلك من وجوه:
منها: أن ينسبها إلى ما هو أعظم منها؛ فينسب مصيبة الدنيا إلى مصيبة الدين؛ فتكون أهون؛ فيشكر الله أن لم يجعل المصيبة في الأشد.
ومنها: احتساب الأجر على المصيبة بأنه كلما عظم المصاب كثر الثواب؛ ولهذا ذكروا عن بعض العابدات أنها أصيبت بمصيبة، ولم يظهر عليها أثر الجزع؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.
المقام الرابع: السخط - وهو محرم - بل من كبائر الذنوب؛ فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : « ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية » .
المصدر :
أحمد حلمي صالح (2009): الدليل في آلام الظهر والطب البديل ، مكتبة مدبولي ، القاهرة.